mando mando
المساهمات : 249 تاريخ التسجيل : 18/01/2011 الموقع : مؤسس الموقع
| موضوع: موضوع: حفلة الموت الاحمر التنكرية * لادجار الان بو الأربعاء يناير 19, 2011 10:50 pm | |
| موضوع: حفلة الموت الاحمر التنكرية * لادجار الان بو منذ زمن بعيد وطاعون "الموت الأحمر" يهلك الحرث والنسل في هذه البلاد ، إذ ما من وباء كان ليضاهي فداحته و بشاعته أبدا، فقد كان يتجسد بالدماء أما علامته فقد كانت إحمرار الدم ورعبه، ويصاحب هجومه الشرس آلام شديدة ودوار مفاجئ يتبعه نزيف حاد، أما البقع القرمزية التي يخلفها على الجسم وخاصة تلك المنطبعة على وجه الضحية فقد كانت بمثابة الوباء اللعين الذي يحول دون وصول المساعدة إليه أو حتى من إشفاق أصحابه عليه، بيد أن هذه النوبة المرضية بأكملها من تطورها حتى انتهاءها لا تتعدى زهاء أحداث نصف ساعة من الزمن!
ورغم هذا الرعب الذي كان يزرعه الموت الأحمر في النفوس إلا أن أمير البلاد، بروسبيرو لم يكن مكترثا لذلك، إذ عندما فتك هذا المرض اللعين بنصف سكان أراضيه الخاصة دعا إلى حضرته أكثر من ألف صديق من بين فرسان قصره الأصحاء ونساءه الحسناوات، واختلى بنفسه بعيدًا مع هؤلاء المدعوين في إحدى أجمل كنائسه الحصينة وأوسعها حيث كان هذا الذوق الغريب والمهيب نِتاج إبداع الأمير نفسه، لقد كانت الكنيسة مسوّرة بجدار منيع وشامخ وتحرسها بوابات حديدية، وفور دخول رجال الحاشية إلى الكنيسة أحضروا الأفران الملتهبة والمطارق الضخمة وقاموا بلحام الأقفال سعيا إلى إحباط أدنى وسيلة للدخول إليها أو الخروج منها لأي سبب كان، كما تم توفير جميع المؤن الضرورية داخل الكنيسة، حيث سيتسنى لرجال الحاشية الآن تحدى العدوى بهذه التدابير الوقائية، أما العالم الخارجي فبإمكانه الاعتناء بنفسه، ذلك أن مجرد الحزن على أولئك القابعين في الخارج أو التفكير بحالهم لا يعدو كونه حماقة كبرى، والفضل في هذا يرجع إلى الأمير حيث قام بتوفير جميع سبل الراحة والترفيه من مرتجلين وراقصات البالية وعازفي الموسيقى والحسناوات والشراب، وجميع هذه المظاهر كانت بمأمن في الداخل أما في الخارج فقد كان يقبع "الموت الأحمر".
وعندما اقتربت عزلة الأمير في داخل كنيسته من شهرها الخامس أو السادس قام باستضافة أصدقاءه الألف لحضور حفلة رقص تنكرية لم يسبق لها مثيل. لقد كانت هذه الحفلة التنكرية مسرحا مثيرًا للحواس، لكن في البداية اسمحوا لي أن أخذكم في جولة داخل القاعات التي أُحيت فيها هذه الحفلة، لقد كنُّ سبع قاعات أو بالأحرى جناحًا إمبراطوريًا ضخمًا، إن أجنحة كهذه في العديد من القصور تشكل أفقًا طويلاً وممتدا تترامى على جدرانه الأبواب على كلا الجهتين من دون أن تتيح لأي شيء بإعاقة منظر النطاق. بيد أن الأمر في هذا القصر بالذات يختلف تمامًا عما هو معتاد وهو ما يمكن توقعه من حب الدوق للغرائب، فقد كانت هذه الغرف موزعة بطريقة غير متناسقة مطلقةً العنان للبصر بمعانقتها بشدة مرة بعد مرة لينتهي بها المطاف باستدارة حادة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار بحيث تتوسط كل جدار نافذة طوقية طويلة وضيقة تطل على ممر مغلق يتتبع التفافات الجناح، لقد كانت هذه النوافذ مصنوعة من زجاج تتفاوت ألوانه طبقا للون الزخرفة السائد في الغرفة التي تفتح بداخلها هذه النافذة، فعلى سبيل المثال، كانت الغرفة في أقصى الشمال تتشح باللون الأزرق الزاهي وكذا كانت نوافذها زرقاء مشرقة، أما في الغرفة الثانية فقد كانت حليها وأقمشتها تزدان باللون الأرجواني ، لذلك كان اللون الأرجواني منعكسا على ألواح نوافذها الزجاجية، الغرفة الثالثة كانت خضراء نظرة وكذلك كانت نوافذها البابية، أما الغرفة الرابعة فقد كان أثاثها يشع بلون أزرق باهي ... الغرفة الخامسة بيضاء كشعاع الشمس والسادسة بلون أزهار البنفسج، أما الغرفة السابعة والأخيرة فقد غُطيت بعناية فائقة بأقمشة النجود المخملية الداكنة التي كانت تتدلى من أعلى سقف الغرفة لتعانق الحيطان ومن ثم تهوي بشكل لفافات ثقيلة على سجادة مصنوعة من اللون والمواد ذاتها، بيد أن لون النوافذ في هذه الغرفة-فقط- أخفق في الانسجام مع زخارفها، لقد كانت قرمزية كلون الدم الأحمر القاني، وبالرغم مما تتمتع به هذه الغرف السبع من أجواء احتفالية ووسط كل تلك الحلي والمجوهرات الذهبية المنتشرة هنا وهناك والمتدلية من أسقفها إلا أن أياً منها لم يكن بداخلها شمعدان أو مصباح مضيء، لقد كان المكان يفتقر لأدنى مصدر ضوئي، ولكن في ممرات الجناح وقبالة كل نافذة كان هناك مشعل يسلط أشعته المتوهجة عبر الألواح الزجاجية الملونة ليضيء الغرفة بوهجه الساطع، لقد شكلت هذه الأجواء المتداخلة العديد من المظاهر المبهرجة والرائعة، ولكن وهج النار في الغرفة الغربية أو الخلفية كان فضيعًا إلى أبعد الحدود، فقد كان ينسدل على الستائر الداكنة عبر الألواح المتشحة بلون الدم وهو أمر بعث في نفوس أولئك الذين دخلوها نظرة موحشةً جدًا، لذلك لم يكن بداخلها سوى عدد بسيط جدا ممن كانت لديهم الجسارة الكافية لأخذ موضع قدم داخل فناءها.
وقبالة الحائط الشرقي لهذه الغرفة أيضا تنتصب ساعة عملاقة مصنوعة من خشب الأبنوس، يتراقص بندولها جيئةً وذهابًا محدثًا ضجيجًا رتيبًا وثقيلاً ومملاً، وما أن يكمل عقرب دقائقها دورته الزمنية وتتأهب هي لتطلق نغماتها حتى يصدر من رئتيها النحاسيتين صوتٌ واضحٌ وقوي، عميقٌ وموسيقي، ولكنه يتسم بنغمة غريبةٍ جدًا، نغمة تجعل عازفي الأوركسترا يتوقفون رغما عنهم عن عزف مقطوعاتهم الشجية لبرهة من الزمن مع انقضاء كل ساعة زمنية لينصتوا بإمعان إلى ذلك الصوت الأمر الذي يدفع الراقصين كذلك إلى التوقف بسبب تلك الربكة القصيرة التي قاطعة نفوسهم المرحة في حين أن الساعة لا تزال مستمرة في مخاضها الموسيقي، في هذه اللحظة بالذات تنمو ملامح الشحوب على محيى أكثر المحتفلين استهتارًا، أما أولئك المسنين والرصينين فقد جعلوا أياديهم تحلّق فوق جباههم كما لو كانوا مستغرقين في تفكير حالم أو تأمل مشوش، ولكن ما أن تتوقف الأصداء بالكامل حتى تخترق ضحكة خفيفة جموع الحاضرين ويتبادل بعدها العازفون النظرات فيما بينهم ويرسمون الابتسامات على شفاههم كما لو كانوا يسخرون من حماقتهم ونوبة الارتباك التي ألمت بهم، وهنا يهمس الواحد منهم للآخر واعدًا إياه بأن الدقات القادمة يجب أن لا تحرك فيهم مثل هذه المشاعر ثانية، وهكذا يمر الوقت سريعا وتنقضي معه ستون دقيقة أي ما يعادل ثلاثة آلاف وستمائة ثانية من الوقت الذي مضى لتمطر الساعة المكان بدقاتها المدوية محدثة بذلك نفس الإرباك والرعشة والتأمل كالسابق.
ولكن بالرغم من هذه الأجواء المشحونة والمشدودة إلا أن الحفلة كانت تعج بألوان المرح الصاخب، فالمحتفلون يعلمون أن للدوق أذواقا غريبة وحسًا مرهفًا جدًا في انتقاء التأثيرات اللونية والصوتية، وهو من أولئك الذين لا يستسيغون الأعمال الزخرفية المجردة، فمخططاته تتسم بالجرأة ومفاهيمه في الحياة تتوهج بلمعةٍ بربرية، وقد حدا هذا الأمر بالبعض منهم إلى الاعتقاد بأن الجنون قد مس الأمير، إلا أن أتباعه المخلصين لا يرون فيه ذلك رغم ضرورة الاستماع إليه ورؤيته أو حتى لمسه للتأكد من أنه بكامل قواه العقلية.
واحتفاءً بهذه المناسبة العظيمة قام الدوق بنفسه بالإشراف على الجزء الأكبر من هذه الزخارف المتحركة في الغرف السبع، كما أنه هو شخصيًا وجّه جميع المحتفلين على تقمص شخصياتهم التنكرية حسب ذوقه الخاص، حيث شدد على أهمية ظهورهم بشكل مشوه، لقد كان المكان مشوبًا بالكثير من الوهج والتألق، بالإثارة والخيال، بمثل تلك المناظر التي شوهد معظمها في مسرحية "هيرناني"، هناك زخارف من الأرابسك لها تفرعات وعلامات غير متناسقة، كما أن هناك أزياء تنكرية غريبة جدًا كتلك الملابس التي يرتديها المجانين، لقد كانت الحفلة تعج بالكثير من المحتفلين الأنيقين، العديد من المستهترين، وغيرهم من غريبي الأطوار وبضعة من الفظيعين وليس بقليل من ذلك أولئك الذين قد تكون صورهم مدعاة للتقزز. في الواقع، كانت هناك أشكالا متعددة من الأحلام تطوف بداخل الغرف السبع جيئةً وذهابا، لقد كان الحالمون يتلوون داخل هذه الغرف وخارجها، يسلبون منها ألوانها المتداخلة حتى أن موسيقى الأوركسترا الصاخبة كانت لتبدو كصدى وقع أقدامهم. وعما قريب تزفر الساعة المنتصبة في غرفة الأقمشة المخملية بدقاتها المعتادة، عندها، وللحظة قصيرة، يسكن الجميع، ويخيم صمت عميق على الجميع ما عدا صوت الساعة، وينتصب الحالمون كجثث هامدة، ولكن لا تلبث أصداء الرنين طويلا حتى تذبل...إنه شيء لا يطاق... وما أن تخمد هذه الأصداء حتى يتبع رحيلها ضحكة يمتزج فيها اللطف والقهر، في هذه الأثناء تصدح الموسيقى بصداها عاليا وتنتعش أرواح الحالمين وهم يجوبون الغرف جيئة وذهابا بمرح أكثر من ذي قبل لتتلون أجسادهم بألوان النوافذ ووهج المشاعل، في هذه الأثناء تخلو الغرفة في أقصى الجهة الغربية من مرتاديها الذين خاطروا بأرواحهم لدخولها، لقد بدأ الليل بإسدال ستاره المعتم على الغرفة، كما أن هناك ضوءً متورداً ينبثق من خلال الزجاج الملطخ بلون الدم، والأقمشة المخملية تبدو مرعبة جدا وسط هذه العتمة، كما أن أولئك الذين وضعوا أقدامهم على السجادة الداكنة أحسوا بتلك الجلجلة المكتومة التي تحدثها ساعة الأبنوس والتي حملت في طياتها رهبة مثيرة أكثر من أي شيء التقطته مسامعهم أثناء انغماسهم في ملذات الغرف البعيدة ومباهجها.
بيد أن الحال في الغرف الأخرى كان مغايرا تماما، فجميعها يعج بالمحتفلين ودبيب الحياة ينتشر في جميع أوصالها، ولا يزال الفرح يغمر المكان، حتى إذا ما مضى وقت طويل تبدأ بعده الساعة بترديد أصداء منتصف الليل، عندها تحبس الموسيقى أنفاسها حسبما ذكرت آنفا، ويهدأ نشاط الراقصين ويخيم على المكان سكون مضطرب في كل شيء كالسابق، ولكن في هذه المرة سيصدر جرس الساعة اثني عشرة دقة، وهكذا بدأ العد لتتزاحم معه الكثير من الأفكار ويمتد معه الاستغراق في التأمل وسط أولئك المعربدين، وهكذا قبل أن تغرق آخر أصداء الدقة الأخيرة في صمت عميق كان هناك العديد من المحتشدين الذين ما أن أحسوا بالراحة حتى انتبهوا لوجود شخص مقنع لم يلفت انتباه أي منهم من ذي قبل، وبدأت إشاعة ظهور هذا الزائر الجديد بالانتشار في جميع الأروقة، ولم يحدث أزيز المحتفلين وهمهمتهم بهذه الإشاعة تقززا فقط بل ورعبا مخيفا أيضا.
في خضم هذه المفارقة المجتمعة للأوهام التي قمت برسمها يمكن القول بأن ما من مظهر عادي قد يثير مثل هذه الأحاسيس، بل إن الحقيقة عارية أمام لا محدودية حرية التنكر في هذه الليلة، بَيْدَ أن الشخص المشبوه قد فاق هيروديد هيرود وتعدى كثيرا حدود الحشمة التنكرية لشخص الأمير نفسه، لقد انتابت قلوب أكثر الحاضرين تهورا عاطفة جياشة لا يمكن مجابهتها ببرودة أعصاب، حتى أن أولئك البائسين تماما ممن يعتبرون الحياة والموت دعابتان متشابهتان يؤمنون بوجود أمور يستحيل المزاح فيها. وبالفعل طاف على الجميع شعور عميق بأن ملابس الغريب ومغزاه من هذا التنكر لا ينمان عن خفة دم ولا أدب ظاهر، فهذا الشكل البشري الطويل والهزيل مكفن من رأسه إلى أخمص قدميه بأكفان المقابر، أما القناع الذي يواري خلفه صفحة وجهه فقد صُنع بطريقة تشبه ملامح جثة متيبسة يصعب على أدق الفحوص اكتشاف الخدعة التي عملت بها، ومع ذلك كان بإمكان المعربدين الغاضبين في الجوار تحمل هذا النوع من الدعابات وإن لم يستسيغوها لولا تمادي هذا المهرج المتنكر في طريقة تنكره إلى درجة أنهم شبهوه بأحد أنواع الموت الأحمر، فقد كان رداءه يعتصر دما، أما حاجبه الواسع وجميع ملامح وجهه كانت تمطر رعباً قرمزيا.
لقد لاحظ الجميع ما آل إليه حال الأمير بروسبيرو من اضطراب عندما ألقى بناظريه على هذه الصورة الطيفية وهي تتحرك ببطء وهيبة وتخطوا بشموخ جيئة وذهابا بين الراقصين وكأنها تؤدي دورها ببراعة تامة، ففي اللحظة الأولى انتابته قشعريرة قوية ساقتها الرهبة والتقزز، أما في اللحظة التالية فقد استشاط غضبا وزمجر بصوته الأجش :" من ذا الذي يجرا؟ "، موجها سؤاله إلى خدمه الواقفين بقربه: " من ذا الذي يجرأ على إهانتنا بهذه المهزلة الكافرة؟ امسكوا به، واخلعوا عنه قناعه لنتعرف على هذا الذي سنعلقه من على شرفات الكنيسة عند شروق الشمس".
لقد كان الأمير بروسبيرو في الغرفة الزرقاء عندما أطلق تلك الصيحات التي دوى صداها بشدة ووضوح جميع أرجاء الغرف السبع، ولا عجب في ذلك فالجميع يشهد بشجاعة الأمير وغلظته، إذ بمجرد أن لوح بيده في الهواء حتى حبست الموسيقى أنفاسها.
وقف الأمير في الغرفة الزرقاء وإلى جانبه مجموعة من أفراد حاشيته وقد كسا الشحوب وجوههم، في البداية وأثناء ما كان الأمير يتكلم هرعت جماعته بحركة خفيفة تجاه الشخص الدخيل الذي كان في هذه اللحظة أيضا قريبا من قبضتهم وهو يهم بخطى حثيثة وثابتة ليدنو من الأمير، ولكن كان لتلك الهيبة الغامضة التي فرضتها تلك الإشاعة بتخيلاتها المجنونة على الجميع لم تتح لأي منهم المجال لأن يحرك ساكنا للقبض عليه، وهكذا وبدون أية إعاقة عبر المتنكر فناء شخص الأمير ذاته، وبينما كانت الجموع الغفيرة تندفع كموجة ممتدة من أواسط الغرف إلى جدرانها كان الدخيل يشق طريقه دون عناء وبنفس الخطى المهيبة والمدروسة التي ميزته منذ البداية مارًا عبر الغرفة الزرقاء إلى الأرجوانية ومن الأرجوانية إلى الخضراء ومن الخضراء إلى البرتقالية وعبر هذه الغرفة إلى البيضاء وحتى من هناك إلى البنفسجية قبل أن تكون هناك حركة حازمة لاعتقاله، عندئذ جن جنون الأمير بروسبيرو وهو يرى عار الجبن وقد لحق به في تلك اللحظة لينطلق مسرعا كسهم أفلت من قوسه عبر الغرف الست، ولكن تلك الرهبة القاتلة التي ألمت بالجميع لم تسعف أحدا منهم على اللحاق بصاحبهم، حينها استل الأمير خنجره المغمود عاليا ودنى سريعا بمقدار ثلاثة أقدام أو أربعة من الشخص الدخيل، ولكن عندما وصل هذا الأخير إلى آخر أتون الغرفة المخملية استدار فجأة ليواجه الشخص الذي يطارده... هناك..انطلقت صرخة شديدة سقط إثرها الخنجر اللامع على السجادة الداكنة التي ما لبثت هي الأخرى حتى خر عليها الأمير بروسبيرو ميتا، واستجمع المحتفلون قواهم البائسة وألقوا بأجسادهم دفعة واحدة داخل الغرفة السوداء وهموا بإحكام قبضتهم على المتنكر الذي مازال هيكله الفارع والنحيل منتصبا بلا حراك تحت ظل ساعة الأبنوس، إلا أنهم صعقوا جميعا عندما رؤى الأكفان والجثة- حالها حال القناع الذي تنازعون بينهم بعنف- ليتبينوا في نهاية المطاف أن ما من جسد ملموس بداخلها!
وتيقن الجميع الآن من وجود الموت الأحمر بينهم، فقد تسلل إليهم كلص في غيهب الليل، واخذ يلقي بالمعربدين الواحد تلوى الآخر في القاعات المضرجة بالدماء وكل منهم يسقط أرضا يموت على تلك الحالة المزرية لسقوطه أرضا. ومع آخر ألوان المرح تلفظ الساعة أنفاسها الأخيرة وتخمد ألسنة المشاعل ويسدل الظلام عتمته الموحشة ويعم الخراب والدمار في كل مكان ويبسط الموت الأحمر هيمنة مطلقة على كل شيء.
__________________ موضوع: أسطورة رأس ميدوسا
تقول الأسطورة الإغريقية إن ( بروسيوس ) البطلالمغوار كان واحداً من هؤلاء الأبطال الذين تزخر بهم الأساطير الإغريقية ، شديدالوسامة ، شديد البأس .. وهو كالعادة ابن زيوس من امرأة بشرية ..
وعلى حين كان أخوته من الأب يمارسون أعمالهم ( هرقل ) مشغول بقتل الهيدرا .. و(أطلس) منهمك في رفع الكرة الأرضية .. و (برومثيوس ) معلق بين الجبال يتلقى عقابه الأبدي .. و(جاسون ) يبحث عن الفروة الذهبية .. كانت هناك مهمة أكثر تعقيداً تنتظر ( بروسيوس ) ..
كانت ( كاسيوبيا ) الحسناء المغرورة قد بالغت في غرورهاووقاحتها إلى درجة أثارت حنق سادة (الأوليمب ). لهذا سلطوا على جزيرتها الفيضانات والزلازل ..
ثم جاءت الطامة الكبرى حين أرسلوا للجزيرة تنيناً مرعباً اسمه ( الكراكون ) ، وكان هذا التنين يطلب – كالعادة – أن يقدموا له قرابين بشريه وإلاأغرق الجزيرة بما عليها ..
وهكذا وجدت ( كاسيوبيا ) نفسها مرغمة على تقديمابنتها الجميلة ( أندروميدا ) لإشباع شهية التنين الشره .. وهكذا كانت أندروميداالضحية القادمة ما لم يحدث شيء ما ..
وفي هذه اللحظة يصل( بروسيوس ) إلىالجزيرة .. يقع في حب الفتاة المختارة كقربان .. ويصمم على قتل الوحش لإنقاذ فتاته .. ولكن كيف ؟!
هناك طريقة واحدة فقط .. أفظع من التنين نفسه .. إنه رأسميدوسا .. !
إن ( ميدوسا ) وأختيها هن أشنع من ذكر في الأساطير اليونانية منمخلوقات ، ويسمونهم ( الجرجونات الثلاث ) لقد كانت ميدوسا وأختاها فتيات طبيعياتجداً .. حتى غضب عليهن ( زيوس ) فأحالهن إلى ..
أولاً : تحولت الأيدي إلى نحاس ..
ثانياً : إزددنبشاعة وصار لساهن مشقوق كلسان الأفاعي ..
ثالثاُ : تحول شعرهن إلى ثعابين ذاتفحيح .. ولدغتها قاتلة ..
رابعاً : وهو أسوء ما في الأمر .. صارت نظرتهنكافية لأن تحول من تلتقي عيناه بأعينهن إلى حجر ..!
خامساً : نفين إلى جزيرةفي البحر المتوسط لم تحددها الأسطورة حيث يعشن في الكهوف .وسط عشرات من التماثيلالحجرية لأولئك البحارة التعساء الذين ألقى بهم حظهم العاثر على شاطيء تلك الجزيرة ..
إنه عقاب قاسٍ ولكنه ليس أسوء عقاب في الأساطير الإغريقية ..
والآن .. على ( بروسيوس ) أن يقطع رأس ميدوسا !!
ولكن كيف ؟ كيفيمكن مواجهة مخلوق بهذه الصفات ؟ دعك من السؤال الأهم .. كيف تقتل مخلوقاً من دونأن تراه؟!
لكن بروسيوس مثله مثل هرقل وثيذيوس .. بطل إغريقي أصيل .. يبحث عنالمتاعب أينما وجدت .. ويحمل قدره على كفه ولا يملك الاختيار .. لهذا يروق كثيراًلسادة الأوليمب .. ولهذا تلقى زيارة من هرمز .. يحمل له بعض الهدايا .. الخوذة التي تخفي من يرتديها .. والسيف الذي لا يضرب إلا ويصيب هدفه .. ثم الدرع البراق الشبيه بالمرآة ..
وينطلق برسيوس مع رفاقه في البحر قاصدين جزيرةالجرجونات الثلاث .. دخل (بروسيوس ) كهف ميدوسا..حوله عشرات من التماثيلالشنيعة لبحارة ماتوا قبل أن يفهموا ما الذي قتلهم
انسل ( بروسيوس ) ومن معهفي حذر باحثين عن ضالتهم .. تصحو ميدوسا من نومها وتفح الثعابين في شعرها .. فيخفيالرجال وجوههم خلف الدروع .. وتتقدم ميدوسا نحو أول الرجال فيتعثر وتلتقي عينيهبعينيها ويتحول لحمه إلى حجر..
وهنا توجد نهايتان للأسطورة ..
الأولى تقول أن ميدوسا رأت انعكاس وجهها في درع ( بروسيوس ) وتحولت إلى حجر ..
النهاية الثانية تقول أنها تقدمت نحو ( بروسيوس ) الذي استجمع شجاعتهوحاسة المكان عنده ليطير رقبتها بضربة واحدة ثم يبادر بالفرار قبل أن تصحوا أختاها ..
المهم أن ( بروسيوس ) قد قتلها دون أن يمس شقيتيها .. وعاد بالرأس فيكيس ليظهره في اللحظة المناسبة أمام التنين قبل أن يبتلع حبيبته ..
الآن حقلـ ( بروسيوس ) أن يتزوج ويستريح ويهنأ بالاً ..
ولكن ماذا حدث للرأس .. ؟
يقال أن ( بروسيوس ألقى به في البحر .. وأسطورة أخرى تقول أنه أهداه لـ ( حيرا ) زوجة ( زيوس ) للتخلص به من أعدائها .. وثمة حكايات تتجاهل الأمر برمته .. موضوع: مختارات من " مكتوب " باولو كويللو مختارات من كتاب بعنوان "مكتوب" للكاتب البرازيلي باولو كويللو...
: مكتوب " ليس ديوان نصائح بل تبادل خبرات...وقصص تنتمي الى التراث الروحي للانسانية .."باولو كويللو" كاتب برازيلي من اشهر رواياته "الخيميائي"..ترجمت اعماله الى 56 لغة .............................................................................. يرى العرب انه رغم كون كل شيء" مكتوبا" مسبقا , فان الله رحيم ولايستخدم " قلمه" و " مداده" الا لمساعدتنا .كان المسافرفي فندق في نيويورك قد نهض متاخرا في ذلك الصباح. وعندما خرج من الفندق اكتشف ان الشرطة حجزت له سيارته. وصل متأخرا الى موعده , وطال الغداء أكثر ممايجب. فكر بالغرامة التي سيتوجب عليه دفعها, وستكلفه ثروة.فكر فجأة بورقة الدولار التي وجدها عشية أمس. تخيل وجود صلة فوق طبيعية بين هذه الورقة وأحداث الصباح."من يدري ان كنت قد التقطت هذه الورقة قبل ان يجدهاالشخص الذي رصدت له؟ ربما قد اكون أزحت هذا الدولار من طريق شخص يحتاج اليه ربما تدخلت فيما هو مكتوب."شعر بحاجة للتخلص من الورقة . وفي تلك اللحظة لمح متسولا يجلس ارضا فقدمها اليه." لحظة , هتف هذا الاخير. انا شاعر . سأقرأ لك قصيدة لأشكرك."" لتكن قصيرة اذن لأني مستعجل".أجاب المسافر.رد المتسول:"أنت على قيد الحياة لأنك لم تصل بعد الى حيث تريد ان تصل"........................................................................................................على ضفة نهر بييدرا يوجد دير ازدهرت حوله النباتات . انه واحة حقيقية وسط الاراضي القاحلة في تلك البقعة من اسبانيا .هنالك يصبح النهر الصغير مجرى ماء جارف وينقسم الى شلالات عديدة .عبر المسافر المنطقة مصغيا الى موسيقى الماء.وفجأة عند مهبط الشلالات , لفتت صخرة انتباهه.راقب بعناية الحجر الذي صقله الزمن , والاشكال لجميلة التي ابدعتها الطبيعة بصبر.ثم اكتشف فوق لوجة ابيات رابندرانات طاغور:"ليست المطرقة هي التي جعلت هذه الصخور بهذال الكمال, بل هو الماء, بعذوبته , ورقصه ,وغنائه. حيث لايمكن للقسوة الاان تحطم , تستطيع العذوبة ان تنحت......................................................................... مات رجل شرير , وعند باب الجحيم التقى بملاك .قال له هذاالاخير :" يكفيك ان تكون قد عملت عملا صالحا واحد في حياتك , وهذا سينجيك"اجاب الرجل :"لم افعل عملا صالحا قط طوال هذه الحياة".-"فكر جيدا" الح الملاك .تذكر الرجل انه ذات يوم بينما كان يسير في الغابة راى عنكبوتا , وانه زاح عن الطريق لكي لايدهسها.ابتسم الملاك ونزلت شبكة عنكبوت من السماء لكي تمكن الرجل من الصعود الى الجنة .استغل بعض المحكومين الفرصة لكي يتسلقوا معه. لكن الرجل استدار وراح يدفعهم خشية انقطاع خيط العنكبوت.في تلك اللحظة انقطع الخيط فسقط الرجل من جديد في جهنم." خسارة , قال له الملاك, انانيتك حولت الفعل الوحيد الصالح في حياتك الى فعل شرير"............................................................................................اصطحبت بيبي كونسويلو ابنها الى السينما وهي تحمل في جيبها الكمية الكافية فقط من النقود. كان الصبي شديد الحماس وراح يسال امه دون انقطاع عن موعد وصولهما.عند اشارة حمراء رات متسولا يجلس على الرصيف ولايمد يده للمارة.سمعت حينئذ صوتا يقول لها :" اعطه كل مامعك من نقود"شرحت بيبي للصوت بانها وعدت ابنها باصطحابه الى السينما ." اعطه كل شيء " الح الصوت" استطيع اعطاءه النصف , فيدخل ابني بمفرده وانتظره عد المخرج" قالت معترضة.لكن الصوت لم يشا النقاش:" اعطه كل شيء"لم يتح لبيبي الوقت لتشرح الامر للصبي .أوقفت سيارتها وقدمت كل ما معها من نقود الى المتسول ."الله موجود وهاقد اثبت لي ذلك للتو. قال لها المتسول . اليوم هو ذكرى ميلادي . كنت حزينا وخجلا من الاستجداء بشكل دائم . لذا قررت الا امد يدي , وقلت لنفسي: اذا كان الله موجودا فسيقدم لي هدية "........................................................................................اجتاز المعلم صحراء الجزيرة العربية برفقة تلميذه. استفاد من كل لحظة في الرحلة لتعليمه مالايمان:" ثق بالله , قال , فالله لايتخلى ابدا عن ابنائه"ذان مساء عند التخييم طلب من تلميذه الذهاب لربط المطيتين الى صخرة مجاورة . تذكر التلميذ تعاليم معلمه ." انه يختبرني, فكر. يجب ان اوكل امر الحصانين الى الله " وترك الحيوانيين طليقين.صباح اليوم التالي اكتشف انهما قد هربا, فذهب غاضبا الى معلمه." انت لاتفهم شيئا عن الله . هتف قائلا له. لقد عهدت اليه بحراسة الحصانيين , وقد اختفيا !.- اراد الله التكفل بالحصانيين, رد المعلم , لكنه في تلك اللحظة , كان بحاجة ليديك لكي تربطهما".............................................................................................كان الفيلسوف اريستيب يتملق ذوي النفوذ في بلاط دنيس حاكم سرقسطة الطاغية ....التقى عصر احد الايام ب ديوجين وهو يعد لنفسه طبقا من العدس." لو كنت تجامل دنيس لما اضطررت لاكل العدس.قال اريستيب." لو كنت تكتفي باكل العدس لما اضطررت لمجاملة دنيس""صحيح ان لكل شيء ثمنا . لكن هذا الثمن نسبي. وعندما نمضي خلف احلامنا قد نعطي الانطباع باننا بؤساء وتعساء . ولكن مايفكر به الاخرون ليس مهما ابدا .المهم هو الفرح في قلوبنا"..............................................................................................كان احد ملوك اسبانيا يتباهى بسلالته لكنه كان معروفا بفظاظته مع الضعفاء. وبينما كان يوما يجتاز مع بطانته حقلا في اراغون . _حيث قبل سنين مضت قضى جده في معركة في هذا المكان._ التقى برجل عجوز يحرك كومة هائلة من العظام." ماذا تفعل هنا " ساله الملك .- احترامي لجلالتك . اجاب العجوز. حين علمت بان ملك اسبانيا قادم قررت جمع عظام جدك المرحوم لتسليمك اياها. لكني بحثت بلاطائل فلم اعثر عليها: انها شبيهة بعظام الفلاحين . والفقراء. والشحاذين. والعبيد." موضوع: قصائد نثرية...إيفان تورغينيف أبو الهول
رمل رمـادي مصـفر، هش من الأعلى، متمـاسك وصلب في الأسفل، رمل بلا حـدود، وعـلى إمتداد البصر، أينما يممت بصرك ثمـة رمل. وعلى هـذه الصحـراء الرملية، وفـوق هذا البحـر من الغبـار الميت، يعلـو رأس أبي الهـول المصـري. مـاذا تريـد ان تقـول هاتان الشفتان الضخمتان، البارزتان، وهذان المنخـران العريضان، الساكنان، وهاتان العينـان.. هاتـان العينـان الناعسـتان، المتأملتـان، تحت قوسي الحـاجبيـن المرفوعين عاليـا..؟ مـاذا تريـدان ان تقـولا. إنهمـا تنطقـان، لكـن أوديب وحـده يمكنه حــل اللغــز، وحـده يفهــم الكـلام الصـامت. يـاه.. إنني أعرفُ هـذه المـلامـح، لـم يعـد فيهمـا أي شيء مصـري، فالجبيـن الأبيض الضيق، والوجنتـان النـاتئتان، والأنـف القصير المستقيم، والفـم الجميـل ذو الأسـنان البيض، والشـارب الرقيق، واللحية بشعرها المجعـد.. هاتـان العينـان الواسعتان والمتباعدتان .. وعلى الرأس فروة مصفوفة من المفرق.. نعـم.. هـو أنت ياكـارب، ياسـيدور، وياسيمون، أيها الفـلاح من يارسلاف أو ريـزان، يابن موطنـي، أيهـا الروسـي الأصيل، أتـُراك تحــولت الى أبي الهــول؟ أتـريد أن تقـول أنت شـيئا أيضـا؟ نعـم..؛ فأنت أبو الهـول أيضا.. عيناك، اللتـان بلا لـون، لكنهمـا العميقتـان ايضـا تقـولان شيئا كذلك؟ كلاهمـا صامت ومـاغز أيضـا، ولكـن أين (أوديبك)؟ أواه.. لا يكفـي أن يضـع المـرء قبعـة (مورمولكـا) على رأسـه، كي يصـير (أوديبـك) يا أبا هـول روسـيا كلـها..! كانون الأول 1878
جماجـم
صـالة فارهة، شديدة الإضاءة، سادة وسيدات. الوجوه مليئة بالحيوية ومنتعشة، والحديث جسور وحماسي، حديث طنان وممل يجري عن مغنية شهيرة. إنهـم يعضمونها حد القداسة، ويخلدونها.. آه.. كم كان رائعا شدوها الأخير مساء أمس. وفجـأة، وكأنما بضربة عصا سحرية، انسلخت قشرة الجـلد الرقيقـة عن جميع الرؤوس والوجـوه، وللحظـة واحدة، ظهر شحوب الجماجم الميت، وبرزت الثنايا وعظام الوجنات العارية ذات اللون القصديري. برعب نظرت الى هاتيك الثنايا وعظام الوجنات وهي تتحـرك وتهتـز، والى تلك الكرات الصلعاء اللامعـة وهي تستدير تحت ضـوء المصـابيح والشموع، وفي محاجـرها تدور كـرات صغيرة أخرى، إنهـا حفـر العيون الفاقدة للمعنـى. لـم أجـرؤ حتى على لمس وجهـي، ولـم أجـرؤ على النظـر لنفسـي في المـرآة.. بينما الجمـاجـم ظلت تتحـرك كما كانت سابقا، والألسـن الطليقة تومض وتتقافـز كقطع صغيرة من القطيعة الحمراء بين الأسنان المكشرة، مستمرة بهذيانها عن روعة المغنية الخالدة. نعم.. المغنية الخالدة التي قدمت تغريدتها الأخيرة الرائعة. نيسان 1878
استيقظتُ ليلا
إسـتيقظتُ ليـلا في فراشـي، خـُيل إلي هناك من ينـاديني بإسمي، هناك، من وراء النافذة المعتمة. ضغطتُ وجهـي على زجـاج النـافذة، ولصقتُ عليها أذني، وحدقـتُ ببصـري، وبدأتُ الانتظـار. لكن، لآ أحـد هنـاك، وراء النافذة، غير الاشجار التي كانت تضج برتابة وغموض، وغير السحب الكثيفة كالدخان، والتي رغم حركتها السريعة، تبدو وكأنها باقية دونما حركة. لا نجمـة في السماء، لا شعلة ضـوء على الأرض. ضجر وظلمـة هنـاك، كما هنا، في قلبي. لكن، فجأة، ثمة صوت شاك إنبعث من البعد، وراح الصوت الشاكي يقترب شيئا فشيئا، وتيضح في صوت بشري، ليمر بي، ثم ليتلاشى. خـُيل إلي ان الرنين المتلاشي كان يقول: وداعا، وداعا، وداعا. آه، ذلك كان هو الماضي كله، سعادتي كلها، كل ما أحببته وحافظت عليه، يودعني الآن والى الأبد، ودنما رجعــة. لقـد ودعـتُ حيـاتي التي مـرت بي بشكل خاطف، ورجعتُ لأرقـد في فراشي وكأنني أرقـدُ في قبـر. آه.. ليتـه كان قبرا. حزيران 1879
موضوع: قصيدة البحيرة ... بقلم : ألفونس دي لا مارتين | لطالما أحببت هذه القصيدة ، فنقلتها عن أحد المواقع وأردت أن أشارككم فيها أتمنى ان تنال إعجابكم
البحيرة
ترجمها شعرياً : د.نقولا فيّاض
المناسبة :
هذه القصيدة كتبها الشاعر الفرنسي " الفونس لامارتين " في حبيبته التي صادفها عندما كان في رحلة علاج وهو في السادسة والعشرين من العمر ولمح وهو يتمشى على شاطئ (بحيرة بورجيه) امرأة تدعى جوليا شارل (في الثانية والثلاثين من العمر .. ) وهي تحاول أن تضع حداً لحياتها بعد أن أتعبها المرض وبدأ اليأس يتسلل إلى نفسها .. في تلك اللحظة التي شارفت فيها على الغرق خرجت لها يد "لامارتين" المنقذة .. فتعلقت بمنقذها وأحبته وأحبها , وعندما كان يتنزه وإياها على ضفاف البحيرة , اتفقا على أن يكون حباً روحياً سامياً عن الرغبات الجسدية , ثم غادرها, واتفق معها على اللقاء في العام القادم في مدينة اكس ليبان , وطلبت منه إن هي ماتت قبل أن تراه أن يرثيها بقصيدة من قصائده .. وهذا ماحصل , لقد ماتت قبل أن يراها في العام التالي بسبب المرض ، فأوفى بطلبها وخلد اسمها فرثاها بهذه القصيدة التي كانت ومازالت من روائع الشعر العالمي . كما رمز لها بـ(الفيرا) في الرواية التي كتبها باسم (روفائيل) , وفي تلك الرواية تخيل صديقاً له اسمه روفائيل بدلاً من أن يذكر أنه المعني بهذا , وأطلق على جوليا "ألفيرا " حتى لا يعلم أحد بعلاقة الحب التي جمعتهما .. بل إنه سمى ابنته على اسم جوليا شارل , وفي رواية روفائيل يذكر أن هذا الصديق مات وترك مخطوطاً ذكر فيه كيفية تعرفه على ألفيرا وكيف قام بإنقاذها من الغرق .. ووقوعه في حبها .. ويصف الصراع بين الرغبة الجسدية والوصال وبين الطهارة التي تتسامى على تلك الرغبات ..
القصيدة :
ترجمت هذه القصيدة عدة مرات الى العربية من قبل أساتذة متضلعين في الترجمة , ومن أبرز تلك الترجمات وأشهرها هذه الترجمة التي أنقلها لكم والتي ترجمها الدكتور (نقولا فياض) عن اللغة الفرنسية الأم , وترجمة (فياض) في نظري مفعمة بالرقة والعذوبة , وإن كان البعض يرى أنه اضطر بسبب القافية او الضرورة الشعرية الى استخدام المفردة غير الشعرية في عدة مواطن , ومعلوم أن الشعر عندما ينقل من لغة إلى أخرى فلابد أن يفقد بعض ألقه وتوهجه وروحه الخالصة التي نسجت باللغة الأم . والآن أدعكم مع هذا النص الذي يصور فيه الشاعر ذكرى حبه القصير الذي لم يجد بعده سوى الوحدة التي راحت تفترسه بلا رحمة، فراح يستذكر أيامه الخوالي ويرثي حبيبته الأثيرة .
أهكـذا أبــداً تمـضـي أمانيـنـا نطوي الحياةَ وليلُ المـوت يطوينـا
تجري بنا سُفُـنُ الأعمـارِ ماخـرةً بحرَ الوجـودِ ولا نُلقـي مراسينـا؟
بحيرةَ الحـبِّ حيّـاكِ الحيـا فَلَكَـمْ كانـت مياهُـكِ بالنجـوى تُحيّينـا
قد كنتُ أرجو ختامَ العـامِ يجمعنـا واليـومَ للدهـر لا يُرجـى تلاقينـا
فجئتُ أجلس وحدي حيثمـا أخـذتْ عنـي الحبيبـةُ آيَ الحـبّ تَلْقينـا
هـذا أنينُـكِ مـا بدّلـتِ نغمـتَـهُ وطـال مـا حُمّلـتْ فيـه أغانينـا
وفوق شاطئكِ الأمواجُ مـا برحـتْ تُلاطم الصخرَ حينـاً والهـوا حينـا
وتحت أقدامها يا طالَ مـا طرحـتْ من رغوة الماءِ كفُّ الريـحِ تأمينـا
هل تذكرين مسـاءً فـوق مائـكِ إذ يجري ونحن سكوتٌ في تصابينـا؟
والبرُّ والبحـر والأفـلاكُ مصغيـةٌ مَعْنا فـلا شـيءَ يُلهيهـا ويُلهينـا
إلا المجاذيـفُ بالأمـواجِ ضاربـةً يخـالُ إيقاعَهـا العشّـاقُ تلحينـا
إذا برنّـة أنغـامٍ سُـحـرتُ بـهـا فخِلـتُ أن المـلا الأعلـى يُناجينـا
والموجُ أصغى لمن أهوى، وقد تركتْ بهـذه الكلمـاتِ المـوجَ مفتونـا :
يا دهرُ قفْ، فحـرامٌ أن تطيـرَ بنـا من قبـل أن نتملّـى مـن أمانينـا
ويا زمانَ الصِّبا دعنـا علـى مَهَـلٍ نلتـذُّ بالحـبِّ فـي أحلـى ليالينـا
أجبْ دعاءَ بني البؤسى بأرضـكَ ذي وطرْ بهم فهمُ في العيـش يشقونـا
خُذِ الشقـيَّ وخـذْ مَعْـه تعاستَـهُ وخلّنـا فهنـاءُ الـحـبِّ يكفيـنـا
هيهات هيهات أن الدهرَ يسمع لـي فالوقتُ يفلـت والساعـاتُ تُفنينـا
أقولُ للّيـل قـفْ، والفجـرُ يطـردُهُ مُمزِّقاً منـه سِتـراً بـات يُخفينـا
فلنغنمِ الحبَّ مـا دام الزمـانُ بنـا يجـري ولا وقفـةٌ فيـه تُعزّيـنـا
ما دام في البؤس والنُعمى تصرّفُـهُ إلى الـزوال، فيَبْلـى وهـو يُبلينـا
تاللهِ يا ظلمةَ الماضي، ويـا عَدَمـاً في ليلـه الأبـديّ الدهـرُ يرمينـا
مـا زال لجُّـكِ لـلأيـام مبتلِـعـاً فما الـذي أنـتِ بالأيـام تُجرينـا؟
ناشدتُكِ اللهَ قُولي وارحمـي وَلَهـي أتُرجعيـن لنـا أحـلامَ ماضيـنـا؟
فيـا بحيـرةَ أيـامِ الصِّبـا أبــداً تبقيـن بالدهـر والأيـامُ تُزريـنـا
تذكارُ عهدِ التصابي فاحفظيـه لنـا ففيكِ عهدُ التصابـي بـات مدفونـا
على مياهكِ في صفـوٍ وفـي كـدرٍ فليبـقَ ذا الذكـرُ تُحييـه فيُحيينـا
وفـي صخـوركِ جـرداءً معلّـقـةً عليكِ، والشـوحِ مُسْـوَدُِّ الأفانينـا
وفي ضفافـكِ والأصـواتُ راجعـةٌ منهـا إليهـا كترجيـع الشجيّينـا
وليبقَ في القمر السـاري، مُبيِّضـةً أنوارُه سطحَكِ الزاهـي بهـا حينـا
وكلَّما صافحتْكِ الريـحُ فـي سَحَـرٍ أو حرّكـتْ قَصَبـاتٌ عِطفَهـا لينـا
أو فاح في الروض عطرٌ فليكنْ لكِ ذا صوتاً يُردّد عنـا مـا جـرى فينـا
| | |
|